من الاستثمار إلى التحرر: نموذج ثوري لإعادة تعريف الشراكة والملكية في الشركات
لم أكتب هذا النص بدافع التنظير، ولا بدافع العداء لرأس المال، بل نتيجة مراقبة طويلة، وتجارب متراكمة، وأسئلة لم أجد لها إجابة صادقة داخل الخطاب الاقتصادي السائد.
شاهدت — كما نشاهد في كل مرة — كيف تُبنى شركات ناجحة بالأرقام، لكنها تكون فاشلة إنسانياً. كيف يُكافأ من يستطيع المغادرة، ويُستنزف من لا يملك هذا الخيار. وكيف يُطلب من الإنسان أن يعطي أفضل سنوات عمره، ثم يُستبدل بهدوء، وكأن الزمن الذي استُهلك لم يكن استثماراً محسوباً.
هذا النص هو محاولة لوضع الأمور في مواضعها الصحيحة، وتسميتها بأسمائها، واقتراح نموذج لا يدّعي الكمال، لكنه يرفض الظلم المقنَّع بالمنطق المالي.
هو موقف فكري قبل أن يكون مقترحًا اقتصاديًا.
أيمن اللمع
١٢/١٢/٢٠٢٥
مقدمة: المشكلة التي يرفض السوق الاعتراف بها في الخطاب الاقتصادي السائد، تُقدَّم الشراكة بوصفها علاقة متكافئة بين رأس المال والعمل لكن هذا الخطاب، عند اختباره في الواقع، يتهاوى سريعاً.
فالسلطة تتركّز بيد من يساهم بالمال، او يمول الفكرة من البداية، بينما تُلقى المخاطر البشرية، والنفسية، والمهنية، والصحية على من يعمل وينتج ويقود التنفيذ.
هذا الخلل ليس عرضياً، بل بنيوياً.
وما لم يُعالج من الجذور، فسيبقى النظام ينتج شركات ناجحة مالياً، ومجتمعات عمل منهكة، وأفراداً يخرجون من أفضل سنوات عطائهم بلا أمان حقيقي.
هذا المقال لا يقترح تحسيناً تجميلياً، بل نموذجاً ثورياً يعيد تعريف:
من هو الشريك؟
ما دور المال؟
لمن تعود الأرباح؟
وكيف تُوزّع الملكية عبر الزمن؟
أولًا: التمييز الجوهري بين المستثمر
والشريك
أكبر خدعة لغوية في عالم الأعمال هي استخدام كلمة شريك لوصف كل من يساهم بالمال.
المال وحده لا يصنع شراكة، بل يصنع استثماراً.
المستثمر:
يقدّم رأس مال
يسعى لعائد
يمكنه الانسحاب
يوزّع مخاطره
لا ترتبط سمعته المهنية بمصير الشركة
الشريك الحقيقي:
يقدّم جهداً يومياً
يربط دخله وسمعته بالشركة
يتحمّل الاستنزاف الصحي والنفسي
لا يستطيع المغادرة دون ثمن طويل الأمد
المساواة
بين الطرفين ظلم اقتصادي مغطّى بلغة قانونية
.
ثانياً: مبدأ المسؤولية على قدر السلطة
ينطلق هذا النموذج من قاعدة بسيطة لكنها حاسمة:
لا سلطة دون مسؤولية، ولا مسؤولية دون سلطة.
بناءً عليه:
شركاء المال لا يتدخلون في الإدارة التنفيذية
لا تعيين، لا عزل، لا توقيع
لا مسؤولية قانونية تشغيلية
في المقابل:
الفريق العامل يملك القرار
ويتحمّل المسؤولية
ويُحاسَب على النتائج
هذا الفصل ينهي ازدواجية قاتلة:
“نقرّر
دون أن نُحاسَب، ونحاسَب دون أن نعمل”
.
ثالثاً: المال كأداة مؤقتة لا كملكية دائمة
في هذا النموذج، المال ليس سيادياً، بل انتقالياً.
وظيفته تمكين البداية، لا السيطرة على النهاية.
الحد الأقصى لملكية شريك المال: 9%.
غير قابلة للزيادة
غير مرتبطة بالأرباح
هذه النسبة تعبّر عن حقيقة غالباً ما تُنكر:
المال لا يصنع القيمة… بل يسمح ببدء صناعتها فقط.
رابعاً: الأرباح ليست حقاً لرأس المال
الأرباح لا تأتي من التحويل البنكي، بل من التشغيل اليومي.
من الفريق، لا من رأس المال.
لذلك:
شركاء المال لا يشاركون في الأرباح
يكتفون بحصتهم الرأسمالية المحدودة
مهما بلغت الأرباح، فهي ليست لهم
الأرباح في هذا النموذج تؤدي وظيفة واحدة:
تحرير الشركة من الملكية غير الإنتاجية
.
خامساً: تحويل حصص المال إلى ملكية للعاملين
تُستخدم الأرباح حصرياً في:
شراء حصص شركاء المال
تحويلها إلى الموظفين وشركاء الإنتاج
ضمن برنامج واضح:
قائم على الالتزام
والزمن
والدور الفعلي
وتستمر هذه العملية حتى:
نفاد كامل حصص المال
خروجهم النهائي من الملكية
لا وجود
لملكية أبدية بلا عمل
.
سادساً: الزمن كاستثمار — الملكية التصاعدية
الزمن الذي يقضيه الشريك العامل:
لا يُسترد
لا يُعوَّض
ويُستهلك جسدياً ونفسياً
لذلك:
كل سنة التزام فعلي = وحدات ملكية
الملكية تتراكم
مع سقف يمنع التضخم
((وربط صارم بالأداء))
هذا اعتراف بحقيقة يغضّ عنها النظام الطرف:
العمر
رأس مال
.
سابعاً: ما بعد الذروة — الحصة التقاعدية
الشريك العامل يدخل شاباً، ويخرج منهكاً.
ولا عدالة في أن يُكافأ براتب تقاعدي بسيط، بينما تستمر الشركة في جني القيمة التي ساهم في بنائها.
الحل:
أسهم معاشية بلا تصويت
أو صندوق شركاء عاملين
يوفّر دخلاً كريماً بعد التقاعد
هذا
ليس إحساناً، بل عائد استثمار بشري مؤجّل
.
ثامناً: الخروج الكامل لرأس المال
في هذا النموذج:
رأس المال يدخل
يؤدي وظيفته
ثم يخرج
والشركة تصبح:
مملوكة للعاملين
قائمة على الإنتاج
لا على
الغياب
خاتمة: بيان لا اعتذار
هذا النص لا يطلب موافقة السوق،
ولا يسعى لإرضاء رأس المال.
هو دعوة لبناء شركات:
لا تستهلك أعمار الناس
لا تقدّس المال
ولا تكافئ الغياب أكثر من الحضور
قد يبدو هذا النموذج صادماً،
لكن كل نظام أكثر عدلًا بدأ يوماً كفكرة غير مقبولة.
والسؤال الحقيقي ليس:
هل هذا واقعي؟
:بل
كم من البشر يجب أن يُستنزفوا قبل أن نعترف أن النموذج السائد هو المشكلة؟
هذا نص يُوقَّع مرة… ويُدافع عنه طويلًا.