Skip to Content

العطاء كقانون للقيادة

:العطاء كقانون للقيادة

هناك خلط شائع بين العطاء والضعف، وبين المشاركة والخسارة، وهو خلط لم ينشأ من التجربة بقدر ما نشأ من الخوف.

لكن عبر التاريخ الإنساني، وفي كل البيئات التي أنتجت قيادة حقيقية لا سلطة مؤقتة، يظهر قانون غير مكتوب: من يعطي أكثر، يرتقي أكثر.

هذا القانون لا يعمل على مستوى الأخلاق فقط، بل على مستوى البنية النفسية والتنظيمية للإنسان والمجموعة.

العطاء ليس كرماً… بل انتقالاً في المستوى

العطاء في جوهره ليس فعلاً عاطفياً، ولا تنازلاً عن حق، بل انتقال من دائرة ضيقة من السيطرة إلى دائرة أوسع من المسؤولية.

من يحتفظ بكل شيء لنفسه، يبقى محصوراً في مستوى إدارة التفاصيل.

أما من يوزّع، فيُجبر — شاء أم أبى — على التفكير على مستوى أعلى.

لهذا يخاف كثيرون من العطاء، ليس لأنه يكلّفهم، بل لأنه يرفع السقف الذي يُطالَبون بالوصول إليه.

من السيطرة إلى القيادة

السيطرة تقوم على الندرة:

معرفة محتكرة

قرار مركزي

خوف من أن “يكبر الآخر”

أما القيادة، فتنشأ من الوفرة:

معرفة موزعة

قرار مشترك

ثقة مدروسة

القائد الذي يعطي فريقه:

لا يفقد مكانته

بل يغيّر طبيعتها

ينتقل من:

“أنا من يفعل كل شيء”

إلى: “أنا من يضمن أن كل شيء يُفعل”

وهذا انتقال نوعي، لا كمي.

الفريق كتوسّع للذات

في عقلية الخوف، الفريق منافس محتمل.

في عقلية القيادة، الفريق امتداد للقدرة الفردية.

كل عضو قوي داخل الفريق:

لا يُضعف القائد

بل يخفف عبء التفاصيل عنه

ويدفعه للتفكير في الأفق، لا في الأرض

القائد الذي يحيط نفسه بأشخاص أضعف منه، قد يشعر بالأمان، لكنه سيبقى صغيرًا.

أما من يحيط نفسه بأشخاص أقوياء، فيُجبر على النمو.

العطاء يفرض مسؤولية أعلى

العطاء ليس مجانياً
.

:كل ما تعطيه

معرفة

سلطة

ملكية

ثقة

:يرتّب عليك مسؤولية مضاعفة

في الرؤية

في العدالة

في اتخاذ القرار

لهذا لا يستطيع كل من يملك سلطة أن يكون قائدًا.

القيادة ليست امتيازًا، بل عبء مختار.

لماذا يعارض هذا القانون الثقافة السائدة؟

لأن الثقافة القائمة — ثقافة رأسمالية الكادحين — تقوم على الخوف:

الخوف من الفقد

الخوف من العودة إلى نقطة الصفر

الخوف من أن يتجاوزك من علمته

هذه الثقافة تعلّم:

“أمسك أكثر لتحمي نفسك”

بينما قانون القيادة يقول:

“أعطِ أكثر لتكبر”

وهنا المفارقة:

الأول يحمي مؤقتًا

الثاني يبني طويلًا

العطاء ليس سذاجة

من المهم التمييز بين:

العطاء الواعي

والعطاء الساذج

العطاء كقانون للقيادة لا يعني:

غياب المحاسبة

أو فتح الموارد بلا نظام

أو منح الثقة بلا معايير

بل يعني:

بناء أنظمة تحمي المشاركة

توزيع السلطة مع وضوح المسؤولية

مشاركة القيمة مع حماية الكيان

العطاء الحقيقي منظّم، لا عشوائي.

الارتقاء الطبيعي للقائد

حين تعطي فريقك كل ما لديك:

أنت لا تنتهي

بل تبدأ مرحلة جديدة

تُدفَع تلقائيًا إلى:

رؤية أوسع

مسؤولية أشمل

مستوى أعلى من الوعي الذاتي

العطاء لا يجعلك أقل أهمية،

بل يمنعك من البقاء في مستوى لم يعد يليق بك.

خلاصة الفصل

العطاء ليس خيارًا أخلاقيًا فقط،

بل قانوناً للارتقاء القيادي.

من يريد أن يبقى مسيطراً، فليتمسّك بكل شيء.

ومن يريد أن يكون قائداً، فليتعلّم كيف يعطي.

الفريق الذي تعطيه، لا يأخذ منك…

بل يأخذك معه إلى مستوى أعلى.


هذا الفصل يختم الفكرة لا يلينها.

الفريق هو رأس المال الحقيقي: قراءة نقدية في منطق المشاريع الحديثة