Skip to Content

الفريق هو رأس المال الحقيقي: قراءة نقدية في منطق المشاريع الحديثة

الفريق هو رأس المال الحقيقي: قراءة نقدية في منطق المشاريع الحديثة


يقوم أي مشروع، في جوهره، على ثلاثة أركان أساسية لا يستقيم بدونها: الفكرة، والمال، والفريق.

الفكرة هي الشرارة الأولى: نوعها، جاذبيتها، قوتها، وقدرتها على التطور والتكيّف مع الواقع.

والمال هو الوقود الذي يغذّي هذه الفكرة، ويمنحها القدرة على الخروج من حيّز التصوّر إلى حيّز التنفيذ.

أما الركن الثالث، والأكثر حساسية، فهو الفريق؛ ذلك الكيان البشري الذي يحمل الفكرة، ويترجمها إلى واقع، ويمنحها الحياة والاستمرارية.


ورغم هذا التوازن النظري بين الأركان الثلاثة، فإن الواقع الاقتصادي المعاصر يكشف خللاً واضحاً في توزيع القيمة والسلطة بينها.

فالمال، الذي يُفترض أن يكون أداة داعمة، تحوّل في كثير من الأحيان إلى عنصر هيمنة، بينما يُختزل دور الفريق — وهو الأساس الفعلي لأي مشروع — إلى مجرد منفّذ أو مورد قابل للاستبدال.


قابلية التعويض: من هو الأكثر هشاشة؟


إذا نظرنا بموضوعية إلى الأركان الثلاثة، سنكتشف تفاوتاً كبيراً في قابليتها للتعويض:


الفكرة بطبيعتها قابلة للتطوير، التغيير، وحتى الاستبدال. كثير من المشاريع الناجحة اليوم لم تنجح بأفكارها الأولى.


المال له مصادر متعددة، ويمكن تعويضه أو اعادة استدانته من مصادر مختلفة متى توفرت الثقة والجدوى.


أما الفريق، فهو الأقل قابلية للتعويض؛ لأنه يحمل الخبرة المتراكمة، والمعرفة العميقة، والعلاقات والقدرة على التعلم من الفشل، وإنتاج أفكار جديدة.


ورغم ذلك، فإن المفارقة الكبرى تكمن في أن الركن الأكثر قابلية للاستبدال هو من يستحوذ غالباً على النصيب الأكبر من السيطرة، بينما الركن الأقل قابلية للتعويض يُستنزف أو يُهمَّش.


من يملك الفكرة حقًا؟


الاعتقاد الشائع أن ملكية الفكرة تعود لمن موّلها، لكن هذا تصور سطحي وغير عملي.

الفكرة، بمجرد أن تدخل حيّز التنفيذ، لم تعد كيانًا نظرياً؛ بل تصبح نتاجاً تراكمياً لتجربة يعيشها فريق العمل بكل تحولاتها وتغيراتها، لاجتهاداته، لأخطائه، ولحلوله المبتكرة.

الفريق هو من “يتملّك” الفكرة بالمعنى الحقيقي، لأنه يطوّرها، يعيد تشكيلها، ويمنحها القدرة على الاستمرار.


قد ينسحب المستثمر، وقد تتغير الاستراتيجية، وقد تفشل النسخة الأولى من المشروع، وتتغير من شكل إلى آخر، لكن الفريق الذي خاض التجربة يخرج بخبرة لا تُمحى، وبقدرة على إنتاج مشاريع جديدة أكثر نضجاً وواقعية.


خلل في منطق النظام الاقتصادي


المشكلة ليست في وجود المستثمرين، ولا في أهمية

رأس المال، بل في منطق النظام الذي يميل إلى:


مكافأة من يملك المال أكثر ممن يصنع القيمة.


حماية الاستثمار المالي بعقود صارمة، مقابل ضعف حماية الجهد الإبداعي والمعرفي.


اختزال الإنسان إلى تكلفة تشغيل بدلاً من اعتباره أصلًا استراتيجياً.


هذا الخلل لا ينتج مشاريع صحية طويلة الأمد، بل يخلق بيئات عمل هشّة، عالية الاستنزاف، وقصيرة النفس.


نحو إعادة تعريف رأس المال


إذا أردنا بناء مشاريع قابلة للاستمرار والتطور بشكل حقيقي، علينا إعادة تعريف مفهوم رأس المال نفسه.

رأس المال ليس رقماً في حساب بنكي فقط، بل هو:

معرفة متراكمة

خبرة عملية

قدرة على الابتكار

وفريق يؤمن بما يصنع


المشاريع التي تفهم هذه الحقيقة هي وحدها القادرة على النجاة في عالم متغيّر، لأن المال يمكن أن ينفد، والأفكار يمكن أن تُستنسخ، لكن الفريق القوي قادر دائمًا على البدء من جديد.


:خاتمة


الفريق ليس وسيلة لتنفيذ الفكرة، بل هو الفكرة في صورتها الحيّة.

ومن يراهن على المال وحده، قد يربح صفقة، لكنه يخسر مشروعاً.

أما من يراهن على الإنسان، فيبني قيمة تتجاوز أي استثمار مالي.

رأسمالية الكادحين