Skip to Content

رأسمالية الكادحين

رأسمالية الكادحين: حين يتحوّل المظلوم إلى نسخة من مُستغِلّه

.
نعيش في مجتمعات تُعرِّف نفسها بأنها “رأسمالية”، لكنها في حقيقتها مجتمعات كادحة

الغالبية لا ترث رأس مال، ولا تبدأ من وفرة، بل تبدأ من الكدّ: عمل مبكر، ساعات طويلة، استنزاف جسدي ونفسي، ومحاولات بطيئة لتجميع شيء يُسمّى : بداية


ومع ذلك، حين ينجح بعض الكادحين في تكوين قدرٍ بسيط من رأس المال، لا ينتج عن ذلك بالضرورة وعيٌ مختلف أو نموذجٌ  أكثر عدلًا

بل يحدث العكس في كثير من الأحيان: يُعاد إنتاج الاستغلال نفسه، ولكن بأدوات أصغر وخطاب أخلاقي مزيّف.

:هذه الظاهرة يمكن تسميتها بـ رأسمالية الكادحين

ثقافة لا يملك أصحابها رأس مال حقيقي، لكنهم يتبنون منطق رأس المال في أقسى صوره، من الكدح إلى تبرير الاستغلال


الكادح الذي عانى من الظلم لا يصبح تلقائياً عادلاً عندما يمتلك سلطة محدودة

 :بل كثيراً ما يستخدم معاناته السابقة كتبرير أخلاقي لاستغلال غيره

“أنا تعبت قبلك”

“تحملت ما لم تتحمله أنت”

“لا أحد أعطاني شيئاً”

هذه الجمل وغيرها لا تُستخدم لفهم الألم المشترك، بل لتحويله إلى رخصة للاستغلال

:وهنا تقع المفارقة الأخطر

بدل أن تكون التجربة القاسية دافعاً لبناء نموذج مختلف، تصبح حجة لإعادة إنتاج القسوة نفسها

مشاريع صغيرة… بعقلية احتكارية
كثير من المشاريع تبدأ صغيرة، هشة، ومحدودة الموارد

لكن رغم صغرها، تُدار بعقلية احتكار مطلق لا تقبل الشراكة لا تعترف بالجهد الجماعي وترى كل عامل تهديداً محتملاً


 كما وتتعامل مع الفريق كتكلفة يجب ضغطها

 :حتى في أبسط الطلبات — كزيادة أجور أو تحسين شروط — يظهر خطاب استنكاري غريب

 “ماظل غير يشاركوني!!”

وكأن الشراكة إهانة أو خطر أو انتقاص من “هيبة” صاحب المشروع

هنا لا نتحدث عن منطق اقتصادي، بل عن عقدة ثقافية

الشراكة كإهانة: تشوّه المعنى

:في هذه الثقافة

 الشريك ليس قيمة مضافة بل تهديد للسيطرة، ومشاركة الربح تُفهم كخسارة، والعمل الجماعي يُرى ضعفاً، بينما الحقيقة أن

الشراكة هي اعتراف بالقيمة، وتقاسم القرار هو توزيع للمسؤولية، والربح المشترك هو استدامة، لكن الثقافة السائدة لا ترى ذلك، لأنها ثقافة فردية دفاعية، تشكّلت في بيئة شُحّ لا في بيئة إنتاج صحي

“إلعب وحدك ترجع راضي”: حكمة مزوّرة

من أخطر ما يُتداول في هذا السياق هو الأمثال الشعبية التي تمجّد العزلة الاقتصادية

“إلعب وحدك ترجع راضي”

“الشراكة وجع راس”

"الشركة تِركة"

“اللي معك ما حدن بيساعدك فيه”


هذه ليست حِكماً، بل آليات دفاع ثقافية نشأت من تجارب فاشلة في شراكات غير عادلة، ثم تحوّلت إلى قاعدة عامة تقتل أي محاولة لبناء عمل جماعي صحي.

بدل إصلاح مفهوم الشراكة، تم شيطنتها بالكامل.

لماذا هذه الثقافة خطيرة؟

:لأنها

تمنع تراكم الخبرة الجماعية

تُضعف الشركات وتجعلها هشة

تُشجّع الاستغلال على نطاق صغير لكنه واسع الانتشار

تُحوّل المجتمع إلى جزر فردية متنافسة

وتعيد إنتاج الفقر بأشكال جديدة

هي ثقافة:

لا تُنتج شركات قوية

ولا تحمي العامل

ولا تُنضج صاحب المشروع ولا تساعده في الاستقلال والانفصال الجسدي حتى آخر لحظة، وحتى يقوم بدوره من خلال فريق من الشركاء الأمناء

الفرق بين رأس المال ورأس مالية الكادحين

رأس المال الحقيقي:

يفهم أن القيمة تُنتج جماعياً، ويبحث عن الاستدامة، ويستثمر في البشر

: أما رأسمالية الكادحين

تخاف من المشاركة، وتتمسك بالسيطرة، وتعيد الاستغلال بحجم أصغر، لكنها أكثر قسوة لأنها شخصية ومباشرة

جذور المشكلة: خوف لا طمع

:من المهم قول هذا بوضوح

هذه الثقافة لا تنبع دائماً من الطمع، بل من الخوف.

الخوف من العودة للفقر، الخوف من فقدان السيطرة، الخوف من أن “يأخذ" أحد ثمرة تعبي”، لكن الخوف لا يبني اقتصاداً، بل يبني سجوناً صغيرة داخل المشاريع

الخروج من الدائرة

:كسر هذه الثقافة لا يكون بالشعارات، بل بـ

إعادة تعريف الشراكة

تعليم اقتصادي أخلاقي

نماذج واضحة لتقاسم القيمة

وقوانين داخلية تحمي الجميع

:والأهم

الاعتراف بأن تجربة الاستغلال لا تُبرر ممارسته.


:خاتمة

أخطر ما في رأسمالية الكادحين أنها تجعل الاستغلال يبدو “طبيعياً”، بل “مبرراً"، وتحوّل الضحية السابقة إلى حارس شرس للنظام الذي آذاه.

إن لم نكسر هذه الدائرة، سنبقى نكدح لنصبح مستغِلين صغار لا شركاء كبار، ولا مجتمعات اقتصادية صحية، والتحرر الحقيقي لا يبدأ من رأس المال، بل من الوعي

هذا الكلام غير مريح

لكنه يصف ما نعيشه بدقة.

" من الاستثمار الى التحرر"نموذج ثوري لإعادة تعريف الشراكة والملكية في الشركات